أشرف المأمون يوماً من قصره ، فرأى رجلاً وفي يده فحمة ، وهو يكتب بها على حائط القصر ، فقال المأمون لأحد غلمانه : انزل إلى ذلك الرجل ، فأمسك بيده ، واقرأ ما كتب ، وائتني به
.
فنزل الغلام فأدركه ، وقبض على يده ، وقرأ ما كتب فإذا هو :
.
يا قصر جُمّع فيك الشؤم واللوم
حتى يعشِّش في أرجائك البوم
يوم يعشش فيك البوم من فرحي
أكون أول من ينعاك مرغوم
.
فقال له الغلام : أجب أمير المؤمنين ، قال الرجل : سألتك بالله لا تذهب بي إليه ، قال الغلام : إنه يراك ، فلمّا مَثُل بين يديه ، قال الغلام : وجدته قد كتب كذا وكذا ، وذكر البيتين ، فقال المأمون : ويلك ! ما حملك على هذا ؟
.
فقال الرجل : يا أمير المؤمنين ، إنه لم يَخْفَ عنك ما حواه هذا القصر من خزائن الأموال ، والحُلي ، والحُلل ، والطعام ، والشراب ، والفُرُش ، والجواري والخدم ، فمررت عليه وأنا في غاية من سوء الحال من الجوع والعطش ، ولي يومان ما أستطعم فيهما بطعام ولا شراب ، فوقفت ساعة ، وفكّرت في نفسي ، وقلت : هذا القصر عامر ، وأنا جائع ، فلا فائدة له ، فلو كان خراباً ومررت به على تلك الحالة لم أعدم رُخامةً ، أو خشبة ، أو مسماراً أبيعه وأتقوّت بثمنه .. أَوَ ما علم أمير المؤمنين – أعزه الله تعالى – أنه قيل :
.
إذا لم يكن للمرء في دولة امرئٍ
نصيبٌ ولا حظٍّ تمنّى زوالها
وما ذاك عن بغضٍ ولا عن كراهة
ولكن ، يرى نفعه بانتقالها
.
فقال المأمون : يا غلام ، أعطه ألف دينار ، وأطعمه ، واسقه ، وقال له : يا هذا ، هي لك في كل سنة ما دام قصرنا عامراً بنا
.
.
فضلاً .. أكتب (تم) بعد إتمام القراءة 🌸
.
المصدر / المختار من نوادر الأخبار – لـ محمد بن أحمد المقري – ص74
تم
إعجابإعجاب