في أوَّل سورة المدثر دلالات كبرى على زاد الداعية في حمل هذه الأمانة الكبيرة ، فلا بُدَّ من الالتفات لهذه الآيات الأولى ، التي أهَّلت رسول الله صلى الله عليه وسلم لأداء هذه المهمَّة العظيمة ، وطلبت منه أموراً معينة ، إن فعلها كان قادراً على أداء مهمَّته على الوجه الأكمل
.
يقول الله عز وجل : { يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ } وفيها لَفْتُ نظرٍ إلى الحالة التي كان عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم ، التي ينبغي أن تنتهي الآن ، فليس هناك مانع أن يكون هناك رهبة في البداية ، أو فزع من المهمَّة الثقيلة ، لكن هذا لا بُدَّ أن يزول بسرعة ، ويعقبه القيام النشيط للعمل
.
قال تعالى : { قُمْ فَأَنْذِرْ } وهذا هو التكليف بالتبليغ ، وهي مهمَّة الرسول الأولى ، بل قَصَر اللهُ عز وجل مهمَّة الرسول في آيات أخرى على ذلك الأمر فقط ، فقال في بعض الآيات : { مَا عَلَى الرَّسُولِ إِلاَّ الْبَلاَغُ } – [المائدة: 99] ، وأمثال هذا في القرآن كثير ، والله يُوَضِّح بذلك مهمَّة الرسول صلى الله عليه وسلم ، ومهمَّة الدعاة من بعده ، أنهم ليس عليهم هداية الناس ، لكن فقط إنذارهم وتبليغهم بما أراد الله عز وجل منهم ، قال تعالى : { لَيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ وَلَكِنَّ اللهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ } – [البقرة: 272]
.
{ وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ } : سيكون عملك كله في هذه المهمَّة من أجل الله عز وجل ، وستَكْبُر في عينيك أهداف كثيرة فلا تجعلها أكبر من الله ، وستجد مقاومة عنيفة ، فلا تظنها أكبر من الله ، وكلما أكبرت الله وقف معك ، وكلما نصرته نصرك
.
{ وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ } : للداعية مظهر ومخبر ، فداخله نظيف بالعقيدة السليمة ، وخارجه نظيف بالتجمل والتطهُّر ، ولكن الجميل في هذا المعنى أن الله عز وجل جعل هذه النظافة في الشكل الخارجي أمراً تعبديّاً له سبحانه ، يُؤْجَر عليها العبد كما يُؤْجَر على عقيدته السليمة ، وهذا السلوك يحمل صورة جميلة تدعو الناس إلى هذا الدين العظيم
.
{ وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ } : قال أبو سلمة بن عبدالرحمن : هي الأوثان ، فجاء الأمر مباشراً أن مهمَّة رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذه الدنيا هي مقاومة هذا الشرك ، الذي انغمس فيه الناس
.
وفي رواية أنَّه قال : ( قبل أن تُفرض الصلاة ) ، ومعنى هذا أن الصلاة فُرِضت مبكِّراً جدّاً ، لدرجة أن أبا سلمة يلفت النظر إلى أن سورة المدثر نزلت قبل فرض الصلاة ، وهو يقصد أن الأوامر التي جاءت في هذه الآيات من تكبير للرب ، وتطهير للثياب ، وكأنها تمهيد للصلاة التي ستفرض قريباً من وقت نزول هذه الآيات ، ومن المعلوم أن الصلاة التي فُرِضت لم تكن بالعدد الذي نعرفه اليوم ، فالصلوات الخمس فُرضت في رحلة المعراج ، ولكن الصلاة المفروضة في هذه المرحلة كانت مرتين مرَّة في الغداة ، ومرَّة في العشي
.
.
المصدر / موقع قصة الإسلام – بإشراف الدكتور : راغب السرجاني
.
فضلاً .. شاركنا بـ برأيك وأدعمنا بـ ( منشن + لايك ) لتعم الفائدة 🌸