يوم الفِجَار هو أحد أشهر أيام العرب [ حروبها ] في الجاهلية ، وقد سُمِّيت بحرب الفجار لأنَّ العرب قد فَجَرُوا في القتل ، أي أسرفوا فيه واستحلُّوا الحرمات ، ويُقال [ أيضاً ] لأنَّ الحرب وقعت في الأشهر الحرم وهو ما كان محرَّماً عند العرب القتال فيها
.
ويُقال إنَّها وقعت بعد عام الفيل بعشرين عاماً ، ويقال بعد وفاة عبد المطلب باثنتي عشرة سنة ، وقد وقعت في أربع جولات ، فالفِجَار الأول كان بين كنانة وهوازن ، والثاني بين قريش وكنانة ، والثالث بين كنانة وبني نضر بن معاوية ولم يكن فيه قتال كبير ، والأخير بين قريش وكنانة كلها وبين هوازن ، وكان بين هذا الأخير ومبعث النبي صلى الله عليه وسلم خمس وعشرون سنة تقريباً ، وقد شهد النبيُّ صلى الله عليه وسلم الفجار الأخير
.
[ سبب حرب الفجار ] .. كان النعمان بن المنذر ملك الحيرة يبعث كلَّ عامٍ لطيمةً [ أي قافلة من الإبل محملة بالحرير والطيب والمسك للتجارة ] له لسوق عكاظ ، وبينما هو في مجلسه ذات يوم ، وكان في مجلسه رجلين بارزين أحدهما هو البراض بن قيس بن رافع الكناني ، وقد كان رجلاً خليعاً فاتكاً قد خلعه قومه ، أمَّا الثاني فهو عروة بن عتبة بن جعفر المعروف بالرحَّالة من قبيلة قيس ، وقد سُمِّي بالرحال لكثرة ترحاله مع الملوك
.
قال النعمان من يُجيز لطيمتي هذه حتى يُبْلِغَها عكاظ [ أي يحميها من قطاع الطرق ] ؟
.
فردَّ عليه البراض : أنا أُجيزها على كنانة
.
فقال النعمان : أريد من يُجيزها على كنانة وقيس ؟
.
فقال عروة : ويحك أكلب خليع يُجيزها لك [ يقصد البراض ] أنا أُجيزها لك على أهل الشيخ والقيصوم ، وهذا مثلاً يُضرب يَقْصُد به أنَّه يحميها من كلِّ العرب
.
وساق عروة بالإبل وانطلق إلى سوق عكاظ فتبعه البراض ، وفي غفلةٍ من عروة انقضَّ عليه البراض وقتله بالقرب من عكاظ ، وساق البراض الإبل إلى عكاظ
.
[ أحداث حرب الفجار ] .. كانت كلُّ القبائل العربيَّة تجتمع في سوق عكاظ لتبادل المنفعة ، فلمَّا قتل البراضُ عروةَ بعث رجلاً من بني أسد بن خزيمة إلى كنانة في سوق عكاظ ليُخبرهم أنَّ البراض قد قتل عروة الرحَّال ، ويُحذِّرهم من قبيلة قيس
.
فلمَّا وصلت أنباء قتل عروة إلى عكاظ انطلقت كنانة إلى مكة لتحتمي داخل الحرم فتبعتها قيس ، وكان القتال في الحرم معظَّماً عند العرب حتى في الجاهلية ، فتواعد القبيلتان أن يقتتلوا ، وقالت قيس : إنَّا لا نترك دم عروة وموعدنا عكاظ في العام المقبل ، ويُقال إنَّ القتال وقع بينهم في الأشهر الحرم وهذا من أسباب تسميتها بحرب الفجار ، وقد دام القتال بينهم خمس أو ست سنوات
.
وكانت الغلبة في الجولة الأولى لقبيلة قيس ، ثم استنجدت كنانة بقريش ، فكانت الغلبة لكنانة وقريش ، وظلَّت الحرب بينهم حتى تدخَّل أحد الشباب القرشي وهو عروة بن ربيعة ، فأتاهم ذات يوم وهم يقتتلون وقال لهم : على ما تقتتلون ؟!
.
فالتفتوا إليه وقالوا : ماذا تريد ؟
فقال عروة : أُريد صلحاً
قالوا : وما الصلح ؟
قال عروة : نفتدي قتلاكم [ أي يدفعوا لهم الدية ] ونعفو عن قتلانا
.
فاصطلحوا على أن يعدُّوا القتلى من الجانبين ، فعدُّوا القتلى فوجدوا أنَّ قتلى قيس يزيدون عن قتلى قريش وكنانة بعشرين رجلاً ، فترك حرب بن أميَّة ابنه أبا سفيان رهينة ، كما ترك بعض السادات أبناءهم حتى دفعوا الدية ، وبهذا انتهت الحرب ووضعت أوزارها
.
[ مشاركة الرسول صلى الله عليه وسلم في الحرب ] .. يذكر ابن إسحاق أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم قد حضر حرب الفجار ، ولكن كانت مشاركته صلى الله عليه وسلم محدودة فلم يُحارب ، ولكنَّ أعمام الرسول صلى الله عليه وسلم الزبير بن عبد المطلب والعباس وحمزة رضي الله عنهما قد شاركوا في تلك الحرب على رأس قبيلة قريش
.
فاصطحبوا سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام لينبل معهم ، فقد روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( كنت أنبل على أعمامي ، أي أرد عنهم نبل عدوهم إذا رموهم بها ) ، ويُقال إنَّه صلى الله عليه وسلم كان بين الرابعة عشر والعشرين من عمره
.
وقد اختلف العلماء في صحة مشاركة النبي صلى الله عليه وسلم في حرب الفجار ، فمنهم من أثبتها كابن إسحاق ونقلها عنه الذهبي وابن كثير رحمهم الله ، وكذلك رواها ابن سعد وغيرهم ، ومنهم من ضعَّفها ، فالله تعالى أعلم
.
.
المصدر / شبكة قصة الإسلام – بإشراف الدكتور : راغب السرجاني
.
فضلاً .. شاركنا بـ برأيك وأدعمنا بـ ( منشن + لايك ) لتعم الفائدة 🌸